1. مقدّمة وموجز
تعمل المجموعات المدنية لمراقبة الانتخابات وسواها من منظمات المجتمع المدني، جاهدةً وبصورة يومية، على تنظيم المواطنين، وجمع البيانات وتحليلها، وإثبات أهمية الإصلاحات الديمقراطية. وفوق ذلك، يقع عليها، في البيئات الأكثر انغلاقاً، أن تتصدّى لانتهاكات هياكل السلطة الاستبدادية. وقد اتّسعت رقعة الحركة المدنية المطالبة بنزاهة الانتخابات، على مدى ما يفوق العقود الثلاثة الماضية، لتشمل أكثر من 100 دولة، بمشاركة أكثر من أربعة مليون ناشط. جديرٌ بالذكر أنّ العمل من أجل الدفاع عن حقّ الاقتراع للجميع على قدم المساواة، والدفع به قدماً، يرسّخ المعايير الديمقراطية ويفضح، في الوقت عينه، قمع الحكّام المستبدين وفسادهم السياسي. لذا، يسعى الطامحون إلى تضييق الخناق على الفسحات الديمقراطية إلى إحباط محاولات المراقبة المدنية للانتخابات؛ وبالتالي، فمن الضروري بث الحيوية في حملات المراقبة المدنية للانتخابات وتمكينها من قهر التحدّيات في البيئات الآيلة إلى الانغلاق.
لكن لا يمكن لمراقبة الانتخابات، وتحليلها بشكل متين ومتعمّق، تعزيز التقدّم الديمقراطي إلا إذا بلغت الرسائل المقنعة آذان صنّاع التغيير. ويتمثّل هؤلاء، في المجتمعات المفتوحة، بالمسؤولين الحكوميين والمشرّعين، ووسائل الإعلام، ومجموعات المناصرة، وشركات الأعمال، والمواطنين بشكل عام. أما في المجتمعات المغلقة نسبياً، حيث قد تكون وسائل الإعلام التقليدي، والمشرّعون، وشركات الأعمال، خاضعين لسيطرة هياكل السلطة الاستبدادية، فيصعب الوصول إلى المواطنين وتحقيق التغيير. من هنا، لكي تكون مجموعات مراقبة الانتخابات فعالة، يجدر بتقاريرها وتحاليلها وخطاباتها الصادرة أن تخترق الحواجز، وتجذب الاهتمام، وتحفّز على التحرّك.
بطبيعة الحال، تدرك الأنظمة الاستبدادية هذا الأمر، مما يدفعها إلى اتّخاذ خطوات لصدّ هذه المجموعات، وكتم صوتها، والتشكيك فيها وفي نتائج عملها. ومن هذه الخطوات، توجيه تهمٍ باطلة إليها على أنها أداة بيد حكومات أجنبية، وإنشاء منظمات غير حكومية خاضعة لتنظيم الحكومة للتغطية على أصوات الناشطين المدنيين الحقيقيين، واستخدام مراقبين دوليين وهميين لإصدار تقارير تدّعي أنّ الانتخابات المزوّرة تتّسم بالمصداقية. كما تلجأ الأنظمة الاستبدادية أيضاً إلى تكتيكات الهجمات السيبرانية، والقمع الإلكتروني، وبث المعلومات المضللة لتشويه سمعة مجموعات المراقبة المدنية وتخويفها، فضلاً عن المجتمع المدني ككل.
تُصمَّم استراتيجيات التضييق على المساحات السياسية والتحكّم بالإعلام، في مناطق عديدة من العالم، للحدّ من تأثير الناشطين الديمقراطيين وإخماد أيّ حركة شعبية تطالب بالمساءلة والتغيير. من هنا، باتت مجموعات المراقبة المدنية للانتخابات، أكثر فأكثر، هدفاً لتكتيكات القمع التي تُستخدم أيضاً ضدّ مجموعات المجتمع المدني بشكل عام. ومن هذه التكتيكات إقرار القوانين والأنظمة التي تجعل من الصعب على المجموعات المعنيّة، إن لم نقل من المستحيل، أن تتمتع بوضع قانوني وتحافظ عليه، أو التي تحظّر مراقبة العمليات الانتخابية والسياسية. بالفعل، تحظّر عدة دول تلقي منظمات المجتمع المدني لتمويل أجنبي، أو حتى لمساعدة تقنية، متسلّحةً بقوانين الأمن السيبراني لتقييد عمل تلك المنظمات. فضلاً عن ذلك، داهمت السلطات مكاتب مجموعات المراقبة المدنية، لا بل هدّدت قادتها وناشطيها، وضايقتهم، واعتقلتهم، وزجّتهم في السجون.
يعمل المعهد الديمقراطي الوطني بشكل وثيق مع المجموعات المدنية لمراقبة الانتخابات في مختلف أنحاء العالم، منذ أكثر من 30 سنة. استناداً إلى هذا التعاون، وإلى تجارب شركائنا بشكل خاص، بات من الواضح أنّ الكثير من هذه المجموعات تواجه تحديات ملحوظة على صعيد تعديل استراتيجياتها الخاصة بالتواصل لمواجهة الواقع المتغيّر بشكل فعال. ومع أنّها قد تتّسم بالفطنة والتفكير الاستراتيجي اللذين يمكّنانها من التغلّب على العوائق السلطوية ومتابعة عملها في مجال المراقبة، إلا أنّ حظوظ نجاحها تكون أقل غالباً على صعيد تعديل استراتيجياتها التواصلية لتسجيل اختراق في العصر الرقمي، لا سيما في مواجهة تدابير قوية لقمعها أو تشويه رسالتها.
من هذا المنطلق، لا بدّ من تحديث استراتيجيات التواصل بحيث تراعي لا آثار الأنظمة الاستبدادية فحسب، بل أيضاً آثار النزاعات والعنف، وضعف المؤسسات الإعلامية أو لا مهنيتها، وقصور البنى التحتية التكنولوجية، بالإضافة إلى الإيجابيات التي تبشّر بها وسائل الإعلام الرقمي والاجتماعي ومآزقها. ولما كانت كل دولة تواجه مجموعةً خاصةً من هذه التحديات، فقد صُمّم هذا الدليل لا لتوفير حلّ واحد يناسب الجميع، بل لاقتراح عملية قابلة للتعديل من شأنها أن تساعد المستخدمين على معرفة ما هي التحديات التي تواجههم ومنظّماتهم، ومحاولة الالتفاف حولها والتغلب عليها.
لكن لا تتأتى كل تحديات التواصل عن تهديدات خارجية. ففي بعض الأحيان، تكون التحديات داخلية، كقائد لا يعطي الأولوية للتواصل الفعال أو يجهل أهميته، أو عدم توفر التمويل أو الموارد اللازمة لتنفيذ استراتيجيات معيّنة، أو عدم استخدام عدد كاف من الموظفين، أو غياب الخبرات اللازمة للتخطيط لاستراتيجيات اتصال فعالة أو تنفيذها. من هنا، يسعى هذا الدليل إلى تعزيز الخبرات والقدرات الداخلية، وإثبات أهمية زيادة الدعم والموارد والموظفين المعنيين بالعمل على التواصل والاتصال.
يتوجّه هذا الدليل، في المقام الأول، إلى المجموعات المدنية لمراقبة الانتخابات وسواها من منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز نزاهة الانتخابات، بهدف مساعدتها على تعزيز تأثيرها في مجال التواصل المبتكر والخلاق. ويركّز الدليل، بشكل خاص، على طرق اختراق البيئات السياسية المغلقة والآيلة إلى الانغلاق، من خلال صياغة استراتيجيات تواصل سليمة، والاستفادة من الفرص الجديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتواصل بطرق تُعدّ أكثر استباقية، ومفصّلة لتناسب احتياجات جماهير مستهدفة بعينها، ومتكررة، ومُقنعة، وماهرة في استخدام الإعلام. ومع أنّ هذا الدليل يركّز بشكل أساسي على المجموعات المدنية لمراقبة الانتخابات، لكن يمكن تطبيق ما يقدّمه من مبادئ الاتصال الجيد على أيّ قضية وسياق. من هنا، يمكن لمنظمات المجتمع المدني التي تعمل على قضايا غير ذات صلة بنزاهة الانتخابات أن تستخدم هذا الدليل لوضع خطط اتصال مؤثّرة، تحفّز على التحرّك دفاعاً عن القضايا التي تهمّها. فضلاً عن ذلك، يمكن لأهل الاختصاص من مختلف أنحاء العالم استخدام هذا الدليل، والعملية التي يفصّلها، لتنظيم تدريبات فعالة وتوفير المساعدة التقنية للمجموعات الراغبة في تعزيز طرق الاتصال والتواصل الخاصة بها.
كيفية استخدام هذا الدليل
يقدّم هذا الدليل مقاربةً مفصّلةً خطوةً بخطوة لوضع خطط وبرامج الاتصالات الاستراتيجية، بدءاً بتحديد الأهداف وانتهاءً بكيفية تقسيم العمل.
يعرّف كل فصل بمفهوم جديد وعنصر جديد في عملية وضع خطة الاتصالات الاستراتيجية. فتبني الفصول على نتائج بعضها، بحيث يعتمد كل فصل على المعلومات والتمارين التي وردت في الفصل السابق.
صُمّم الدليل لاستخدامه ككتيّب تطبيقي أو لتفسير خطوات عملية التخطيط الجماعي. فيتضمن كل فصل تمارين عملية للسماح لك ولفريقك بتطبيق المفاهيم التي تعلّمتموها على خطتكم الاستراتيجية الخاصة فوراً. فضلاً عن ذلك، يحتوي كل فصل على أمثلة فرضية وواقعية لتوضيح كيفية استخدام المفاهيم والأفكار، بالإضافة إلى دراسات حالة تعطيك فكرة عما يقوم به آخرون وعن الاحتمالات الممكنة الأخرى. وبحلول نهاية هذا الدليل، ستكون بين يديك خطة اتصال استراتيجية مكتملة يمكن أن تباشر بتطبيقها في الحال.
لا يخفى على أحد أنّ الجهات الاستبدادية تزداد مهارةً في استخدام استراتيجيات الاتصال وتوظيفها لحصر نطاق النقاش، وإغلاق المساحات، وإسكات المنتقدين. من هنا، يجدر بمنظمات المجتمع المدني زيادة عدد مقارباتها المعتمدة في مجال التواصل والاتصال، وتضخيمها، وإضفاء الطابع المهني عليها، بهدف التغلب على هذه التحديات الجديدة. وكلنا أمل أن يشكّل هذا الدليل أداةً مهمّة تساعدك على القيام بذلك.